رام الله – حذّر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى من تفاقم الأزمة المالية التي تواجه السلطة الفلسطينية، مشيرًا إلى أنّ احتجاز إسرائيل لأموال الضرائب وارتفاع معدلات البطالة هما أبرز أسباب الأزمة.
وقال مصطفى إن إسرائيل تمتنع للشهر الرابع على التوالي عن تحويل أموال المقاصة، وهو ما يضع السلطة أمام عجز مالي يهدد قدرتها على دفع الرواتب وتوفير الخدمات الأساسية. وبحسب تقديرات رسمية، تجاوزت قيمة الأموال المحتجزة عشرة مليارات شيكل (نحو 3 مليارات دولار).
وارتفعت معدلات البطالة بشكل غير مسبوق، حيث وصلت إلى نحو 80% في قطاع غزة، وأكثر من 30% في الضفة الغربية، الأمر الذي فاقم معاناة الاقتصاد المحلي الفلسطيني في ظل تراجع الاستثمارات الخارجية وعجز القطاع الخاص عن مواجهة التحديات الداخلية.
خبراء: الحل مرتبط برفع القيود
ويرى اقتصاديون أنّ معالجة الأزمة تتطلب رفع القيود الإسرائيلية على حركة الأفراد والبضائع وتخفيف السيطرة على المنظومة المالية الفلسطينية، وهو أمر تربطه الحكومة الإسرائيلية بتحسّن الوضع الأمني في الضفة الغربية، وقدرة الأجهزة الأمنية على فرض الاستقرار ومنع التصعيد من الفصائل المسلحة.
من جهتها، صرّحت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي، أن "التوقعات للاقتصاد الفلسطيني تتدهور أكثر فأكثر مع استمرار الحرب في غزة"، مشيرة إلى أن التغيير الحقيقي للوضع الاقتصادي لا يمكن أن يحدث إلا عبر حل سياسي شامل وسلام دائم.
وبحسب المحلل السياسي حسن سوالمة، فأن أنشطة المقاومة المسلحة، ورغم التأييد الشعبي التي تحظى به الا أنها باتت تُستخدم ذريعة من قبل إسرائيل لفرض مزيد من العقوبات الجماعية، كإغلاق المعابر، وقطع الطرق بين المدن، ومنع دخول البضائع، وفرض قيود مالية خانقة.
وحذّر سوالمة من أن الارتفاع الكبير في البطالة والأسعار، نتيجة صعوبة نقل السلع بين المحافظات، قد يؤدي إلى انفجار شعبي، داعيًا إلى تحرك دولي عاجل لكسر دائرة الحرب في غزة، ووقف سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية. وقال: "الآمال معلّقة على الضغط الدولي، الذي تقوده قوى إقليمية، لمنع استمرار الحرب فترة أطول، وللاحتواء السريع للأزمة قبل أن تصل إلى نقطة اللاعودة، بما يتيح للفلسطينيين تحقيق الحد الأدنى من التعافي الاقتصادي بعد سنة كارثية".
وكان رئيس الوزراء الفلسطيني قد أوضح في وقت سابق أنّ حكومته بدأت بالفعل باتخاذ خطوات لمواجهة تبعات الأزمة، من بينها برنامج إصلاح مالي وزيادة الاعتماد على الإيرادات المحلية، إلى جانب مساعٍ دبلوماسية لحشد دعم عربي ودولي لصالح السلطة الفلسطينية. إلا أنّ المراقبين يؤكدون أنّ هذه الإجراءات تبقى محدودة دون حل جذري لأزمة المقاصة ورفع القيود الإسرائيلية التي تشل الحركة التجارية داخل الضفة.
مخاوف من تداعيات اجتماعية
ويحذّر مسؤولون في القطاع الخاص من أنّ استمرار الأزمة قد يؤدي إلى تعثر أوسع في المؤسسات التجارية والخدماتية، مؤكدين أنّ استعادة النشاط الاقتصادي تتطلب ضخ السيولة في السوق وضمان دفع المتأخرات.
ويخلص مراقبون إلى أنّ الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية ليست أزمة مؤقتة، بل تهدد بالتحول إلى أزمة هيكلية تستلزم حلولًا شاملة تشمل الجانبين السياسي والأمني على حد سواء، لضمان تحرير الأموال المحتجزة لدى إسرائيل وتوفير بيئة اقتصادية مستقرة.